قضية اللباس من خلال قصة آدم صلى الله عليه وسلم (2)
* بقلم / يوسف بن إبراهيم الزين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه اجمعين
سبق في المقال الأول الحديث عن جوانب مما يتعلق باللباس في قصة آدم صلى الله عليه وسلم من خلال الآيتين رقم 26 و27 وفي هذه الحلقة أتعرض لما ورد في بقية الآيات من الآية رقم 28 وحتى 32 ولما كانت هذه الآيات تحتوي على قضيا كثيرة سوف أكتفي بما يتعلق منها باللباس مع ملاحظة أن الآيات أوسع مدلولا من ذلك.
1- ذكر الله تعالى في الآيات موضوع الفاحشة في عدة مواضع
والفاحشة والفحشاء ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال [مفرادت الراغب 626 مادة فحش] قال تعالى (وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف : 28] وقاال تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)
ولعل من أبرز أسباب وقوع الناس في الفواحش الظاهرة كالزنا والعشق ونحو ذلك؛ إظهار العورات وكشفها سواء كان ذلك عبر القنوات الفضائية الماجنة، أو كان من خلال مواقع الإنترنت، أو من خلال الصحف السيارة، أو المجلات، أو الروايات الساقطة، أو من خلال ملابس النساء العارية وشبه العارية التي غزت أسواق المسلمين، ولو كانت هذه الملابس مما تلبسه المرأة في خلوتها مع زوجها لم يكن في ذلك حرج، لكن هذه الملابس بالوصف المذكور تلبسها النساء للنساء وأمام النساء، ولاشك أن هذا من الفواحش وهو من مكر الشيطان وكيده وفيه وعيد شديد من النبي صلى الله عليه وسلم ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (صنفان من أهل النار لم أرهما... وذكر : ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) [رواه مسلم]
وأما خروج المرأة متبرجة فلا يشك عاقل عنده ذرة من إيمان أن هذا من أكبر دواعي الفواحش بمختلف أنواعها، ومثله اختلاط المرأة بالرجال كاشفة عن مفاتنها في أماكن العمل ونحو ذلك، وربما قال بعض ضعاف النفوس: أن هذا الاختلاط وجد قبلنا ولا حيلة لنا فيه، أو الناس قبلنا فعلوه، وقد قال الله عن هذا الصنف من الناس (وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا) وربما احتج بعضهم بأن هذا هو الموضة وقد غاب عن ذهنه أن اللباس كغيره من الأمور له ضوابط شرعية فإذا خرج عنها إلى ما حرمه الله صار محرما ولو كان هو الموضة، وهذا الأمر يغفل عنه الكثيرون، يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله : إن قضية اللباس والأزياء ليست منفصلة عن شرع الله ومنهجه للحياة، ومن ثم جاء ذلك الربط بينها وبين قضية الإيمان والشرك في السياق، أنها ترتبط بالعقيدة والشريعة بأسباب شتى:
إنها تتعلق قبل كل شيء بالربوبي وتحديد الجهة التي تشرع للناس في هذه الأمور ذات التأثير العميق في الأخلاق والإقتصاد وشتى جوانب الحياة.
كذلك تتعلق بإبراز خصائص الإنسان في الجنس البشري وتغليب الطابع الإنساني في هذا الجنس على الطابع الحيواني. [في ظلال القرآن 3/1284]
2- ذكر الله عز وجل في الآيات ما يتعلق بالزينة والقواعد المتعلقة بها بعد النهي عن الفواحش فقال عز وجل (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) يقول ابن القيم رحمه الله عن هذه الآية : جمعت أصول أحكام الشريعة كلها فجمعت الأمر والنهي والإباحة والخبر [الضوء المنير 3/146]
وقال الله عن الزينة أيضا (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [الأعراف : 32]
إنه لا حرج على الإنسان أن يتزين، وأعظم المواضع التي يتزين فيها الصلاة ويشمل هذا التزين اللباس الظاهر من الثياب ونحوها، واللباس الباطن بخشوع القلب وحضوره أثناء الصلاة ، قال ابن القيم رحمه الله : وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول : أمر الله بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة وهو أخذ الزينة فقال تعالى (خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف : 31] . فعلق الأمر بأخذ الزينة لا بستر العورة إيذانا بأن العبد ينبغي له أن يلبس أزين ثيابه وأجملها في الصلاة .
وتأمل أخي القارئ كيف بدأت الآية بالنداء (يَا بَنِي آدَمَ) هو النداء الثالث في سياق الآيات وتلا ذلك (خذوا زينتكم) والإنسان يحب أن يكون حسن المظهر ولا حرج عليه في ذلك ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل أن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا (إن الله جميل يحب الجمال)
قال ابن القيم رحمه الله : ولمحبته سبحانه وللجمال انزل على عباده لباسا وزينة تجمل ظواهرهم، وتقوى تجمل بواظنهم فقال (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ) [الأعراف : 26] [الضوء المنير 3/ 143] ويقول سيد قطب رحمه الله : والزينة الإنسانية هي زينة الستر، بينما الزينة الحيوانية هي زينة العري ولكن الآدميين في هذا الزمان يرتدون إلى رجعية جاهلية تردهم إلى عالم البهيمة، فلا يتذكرون نعمة الله بحفظ إنسانيتهم وصيانتها [الظلال 3/1279] وتأتي الآية التالية لتؤكد هذا الأمر وتزيد تقريرا فيقول الله تعالى وتقدس (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [الأعراف : 32]
3- ذكر الله تعالى ضمن الآيات السابقة ضوابط مهمة على العبد مراعاتها في حياته فقال تعالى (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ) [الأعراف : 29] وقال أيضا (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف : 31] وهذا ضابطان مهمان في موضوع اللباس أولهما القسط وهو العدل، وثانيتهما عدم الإسراف ، ويفهم من ذلك أن الأمر التزين وإباحة الطيبات لا تعني الإسراف وصرف الأموال والأوقات الطائلة عليها بل المطلوب الاعتدال وعدم المبالغة، يقول الشيخ عبد الله الفوزان: يمنع الإسلام الإسراف في كل شيء، ومنه الإسراف في مطالب الحياة والجري وراء شهوات الدنيا ولذاتها، مما يسبب فساد الأمم، وخراب الديار، ولا جدال في أن ظاهرة الإسراف في الزينة موجودة. إسراف في الملابس، إسراف في الحلي، إسراف في أدوت التجميل ، إسراف في متابعة الموضات والإسلام ينهى عن ذلك كله فهو ينهى عن الإسراف في الأكل والشرب وينهى عن الإسراف في الإنفاق قال تعالى (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف : 31] ويذكر تعالى من صفات عباد الرحمن (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) [الفرقان : 67] وقال النبي صلى الله عليه وسلم (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير اسراف ولا مخيلة)
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.