محاسبة الناس يوم القيامة:
والمسلم يؤمن أنَّ الله -عز وجل- يحاسب الناس على ما كسبوه في الحياة الدنيا من خير أو شر، قال تعالى: {من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي الذين ظلموا إلا ما كانوا يعملون} [القصص: 84].
وهذه الأعمال هي التي أحصتها ملائكة الله.. قال الله -عز وجل- في حديثه القدسي: (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) [مسلم].
والمسلم يؤمن أن الجزاء يوم القيامة يكون بعد محاكمة عادلة تُعرض فيها الأعمال، ويطلع الناس على أعمالهم، ويقرأ كل واحد منهم كتابه، قال تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} [الإسراء: 13-14].
والمسلم يعلم أن كل واحد سيقف أمام الله -عز وجل- ليحاسب على أعماله، قال تعالى: {لقد أحصاهم وعدهم عدًا. وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا}
[مريم: 94-95].
وقال (: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة، ليس بين الله وبينه ترجمان) [البخاري].
والمسلم يؤمن بأن الله -عز وجل- لا يناقش إلا من كثرت معاصيه. فعن
عائشة -رضي الله عنها- أن الرسول ( قال: (ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك). فقلتُ: يا رسول الله أليس قد قال الله -تعالى-: {فأما من أوتي كتابه بيمينه. فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا} [الانشقاق: 7-8]. فقال رسول الله (: (إنما ذلك العَرْض، وليس أحد يُنَاقَش الحساب يوم القيامة إلا عُذِّب) [البخاري] . ومناقشة الحساب هي أن يحاسب الله -عز وجل- العبد على كل صغيرة وكبيرة فعلها ويترك مسامعته.
والمسلم يؤمن بأنه في يوم القيامة يأخذ كل إنسان كتابه الذي دونت فيه الملائكة أعماله في الدنيا من حسنات وسيئات، فالمؤمن يأخذ كتابه بيمينه، فيفرح ويسعد. أما الكافر، فيأخذه بشماله، فيدرك أن مكانه في دار الجحيم، قال تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه. إني ظننت أني ملاق حسابيه. فهو في عيشة راضية. في جنة عالية. قطوفها دانية. كلوا واشربوا هنيئًا بما أسلفتم في الأيام الخالية. وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه. ولم أدر ما حسابيه. يا ليتها كانت القاضية. ما أغنى عني مالي. هلك عني سلطانيه. خذوه فغلوه. ثم الجحيم صلوه} [الحاقة: 19-31].
والمسلم يؤمن بأن الناس يتفاوتون في الحساب، فمنهم من يحاسب حسابًا يسيرًا، فيعرض الله عليه أعماله، ويُطْلعه عليها دون أن يَطَّلع عليها أحد غيره، ويستره
الله -عز وجل- ويعفو عنه، ثم يأمر به إلى الجنة، ومنهم من يُنَاقَش في حسابه، ويُسْأل عن كل شيء، ويُفتضح أمره بين الناس جميعًا، قال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره} [الزلزلة: 7-8].
ويقول (: (لا تزولُ قدما عبد يوم القيامة حتى يُسْأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه) [الترمذي].
والمسلم يؤمن أن هناك أناسًا يدخلهم الله -عز وجل- الجنة بغير حساب، قال (: (يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفًا بغير حساب) [مسلم].
والمسلم يؤمن أن هناك شهودًا تشهد عليه أمام الله -عز وجل- يوم القيامة، مثل: السمع، والبصر، والجلد، والأيدي، والأرجل، والمال، والأيام، والحفظة الكرام، والأرض، والليل، والنهار. قال تعالى: {حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون} [فصلت: 20]. وقال: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} [النور: 24].
والمسلم يؤمن بما جاء عن شهادة الأرض، وإخبارها عما حدث على ظهرها، قال تعالى: {إذا زلزلت الأرض زلزالها. وأخرجت الأرض أثقالها. وقال الإنسان ما لها. يومئذ تحدث أخبارها. بأن ربك أوحى لها. يومئذ يصدر الناس أشتاتًا ليروا أعمالهم. فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره. ومن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره}
[سورة الزلزلة].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قرأ الرسول (: {يومئذ تحدث أخبارها} [الزلزلة: 4]. قال: (أتدرون ما أخبارها؟) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا. قال: فهذه أخبارها) [الترمذي والنسائي] .
والمسلم يؤمن أن المال يشهد على صاحبه إذا لم يؤدِّ حقه، قال (: (إن هذا المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم، هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل، وإنه من يأخذه بغير حقه، كان كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيدًا يوم القيامة) [مسلم].
كما أن المسلم يعلم أن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله قال (: (إن أول ما يُنظر فيه من عمل يوم القيامة الصلاة، فإن وجدت تامة، قبلت منه وسائر عمله، وإن وجدت ناقصة، ردت عليه وسائر عمله) [الحاكم].
وأول ما يُحاسب به الناس يوم القيامة من حقوق العباد هي الدماء، قال (: (أول ما يقضى بين الناس في الدماء) [متفق عليه]. ثم يسأل الإنسان عن عمره وعلمه وماله.