أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يترسمون معالم المنهج :
لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يترسمون منهجاً اختطه لهم النبي صلى الله عليه وسلم لكي تعيش الدعوة حيةً في قلوبهم و ضمائرهم ، فيقرأ ذلك من يطلع على سيرهم قبل أن يسمع أقوالهم ، حين دعا النبي الناس للصدقة و قد جاء قوم وجتاب النمار فرقَّ صلى الله عليه وسلم و هو صاحب القلب الرحيم لحالهم فتألم وخطب الناس دعاهم بأن يتصدقوا بما يملكون من درهمهم و دنانيرهم ، من صاع برهم وتمرهم ، فلم يتصدق أحد فجاء رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع صرة كادت يده أن تعجز عنها بل عجزت فألقاها بين يدي النبي فتتابع الناس بعد ذلك فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم فصار هذا الرجل داعية صامتاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة , ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة".
وحين استنفر النبي الناس ليغزو الروم ولم يعذر أحداً في ذلك جاء أقوام لا يجدون ما يحملهم يسألون النبي أن يحملهم فلم يجد صلى الله عليه وسلم ما يحملهم فتولوا يبكون لأنهم لم يجدوا ما ينفقون ، ولم يستطيعوا أن يجاهدوا في سبيل الله ، فخلّد القرآن ذكرتهم و سيرتهم ليكون هذا الموقف دعوة لمن جاء بعدهم أن يعيش كما كان يعيش أولئك. إن من لم يفتح له الميدان للجهاد لا يعذر إلا أن يعيش معهم بقلبه وحاله ، وأن ينصح لله ورسوله.
هاهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبعثون رسالة إلى عروة بن مسعود يرجع مشدوهاً لأصحابه يحدثهم بما رأى وقد أدرك أنه أمام جيل آخر دون أن يكون منهم تعبير باللسان.
وهاهي سيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تبقى صورة للأجيال ناطقة إذا أراد ، فما أن يتحدث متحدث أو يتكلم متكلم إلا يضطر أن يزين مقالته بمواقف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله وتعلم العلم وغيره من الميادين ؛ ليبقى ذلك الجيل داعية إلى سائر الأجيال في كل صور الدعوة بميدان الجهاد والعلم والعبادة وغيرها