هنا مدرسة محمد صلى الله عليه و سلم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

هنا مدرسة محمد صلى الله عليه و سلم

اهلا و سهلابك عزيزي زائر لديك هنا بالمنتدى 817 مساهمة  

الرئيسيةالرئيسية  اذاعةاذاعة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 خطبة عيد الأضحى المبارك 1421/للدكتور العلامة محمد سعيد رمضان البوطي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
admin
المدير العام
المدير العام
admin


ذكر
عدد الرسائل : 755
العمر : 42
الموقع : https://alsadi.yoo7.com/index.htm
العمل/الترفيه : اعمل في خدمة بيوت الله
المزاج : ماشي بنور الله
علم بلدي : خطبة عيد الأضحى المبارك 1421/للدكتور العلامة محمد سعيد رمضان البوطي Female_palestine
تقييم :
خطبة عيد الأضحى المبارك 1421/للدكتور العلامة محمد سعيد رمضان البوطي Left_bar_bleue100 / 100100 / 100خطبة عيد الأضحى المبارك 1421/للدكتور العلامة محمد سعيد رمضان البوطي Right_bar_bleue

تاريخ التسجيل : 03/07/2008

خطبة عيد الأضحى المبارك 1421/للدكتور العلامة محمد سعيد رمضان البوطي Empty
مُساهمةموضوع: خطبة عيد الأضحى المبارك 1421/للدكتور العلامة محمد سعيد رمضان البوطي   خطبة عيد الأضحى المبارك 1421/للدكتور العلامة محمد سعيد رمضان البوطي I_icon_minitimeالجمعة أغسطس 08, 2008 6:21 pm

الاثنين 10/12/1421 هـ الموافق 05/03/2001م


خطبة عيد الأضحى المبارك 1421

الله أكبر‏،‏ الله أكبر‏،‏ الله أكبر‏،‏الله أكبر‏،‏ الله أكبر‏،‏ الله أكبر‏،‏ الله أكبر‏،‏ الله أكبر‏،‏ الله أكبر‏.‏

الله أكبر ما ازدحم الحجيج على مائدة الرحمن في عرفات‏،‏ الله أكبر ما هُرِعوا إلى منى‏،‏ وواصلوا سيرهم بعد ذلك‏.‏ الله أكبر‏،‏ الله أكبر‏،‏ الله أكبر‏،‏ الله أكبر ما هرع الحجيج إلى مزدلفة‏،‏ والتقوا عند المشعر الحرام‏؛‏ فاتجهوا إلى الله بالدعاء والبكاء‏.‏ الله أكبر ما طاف الطائفون بيت الله الحرام‏،‏ وسعى السّاعون‏.‏ الله أكبر ما تجلى الله سبحانه وتعالى عليهم بالرحمة والرضوان‏؛‏ فتاب عليهم وغفر‏،‏ الله أكبر‏،‏ الله أكبر‏،‏ الله أكبر‏.‏ الله أكبر من معصية كل عاصٍ يبكي على معصيته وإسرافه في جنب الله‏.‏ الله أكبر من طغيان كل طاغٍ نسي جبروت الله سبحانه وتعالى ومقته‏.‏ الله أكبر من كل المصائب التي تطوف بالعالم الإسلامي اليوم‏،‏ الله أكبر‏،‏ الله أكبر‏،‏ الله أكبر‏.‏ سبحان الله ملئ الميزان‏،‏ سبحان الله المسبّح في كل مكان‏،‏ سبحان من تنطق الكائنات كلها بتسبيحه‏،‏ ‏{‏ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 17‏/‏44‏]‏ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر‏،‏ الله أكبر‏،‏ الله أكبر‏،‏ الله أكبر‏،‏ والحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده‏،‏ ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك‏،‏ سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك‏،‏ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له‏،‏ وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله‏،‏ وصفيه وخليله‏،‏ خير نبيٍ أرسله‏،‏ أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً‏،‏ اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد‏،‏ وعلى آل سيدنا محمد‏؛‏ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين‏،‏ وأوصيكم ـ أيها المسلمون ـ ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى‏.‏

أما بعد‏،‏ فيا عباد الله‏:‏

ما أشبه صبيحة هذا اليوم الأغر عندما يتلاقى المسلمون تحت مظلة التجليات الإلهية الراحمة‏،‏ عندما يتلاقون بالبسمات‏،‏ وعندما يتلاقون بالأنس المتبادل فيما بينهم‏،‏ ما أشبه هذا العالم الإسلامي في صبيحة هذا اليوم‏؛‏ إذ يتجلى على هذا النحو الذي أقول بسفح مُمرِعٍ أخضر‏،‏ تفتّحت في أرجائه في صبيحة هذا اليوم مختلف أنواع الزهور والورود‏،‏ أجل لا أرى مثالاً للعالم الإسلامي متمثلاً في وجوه المسلمين‏،‏ إذ يتبادلون التهنئة القلبية وإذ تعلو البسمات ومظاهر الأنس فيما بينهم‏،‏ لا أجد مثالاً لذلك إلا هذا الذي أقول‏،‏ هذه الزهور المتفتحة‏،‏ هذه الورود العبقة‏،‏ إنما تفتحت وازدهت ألوانها وانتشر عبقها بسرٍّ من تجليات الله سبحانه وتعالى‏،‏ في هذه الصبيحة على عباده‏.‏ وإنه لتجلٍ يحمل معه رسالةً بل بشارة عظيمة ما مثلها بشارة‏،‏ إنها بشارة تترجمها رحمة الله عز وجل لعباده‏،‏ إنها بشارة تذكّر بقول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 39‏/‏53‏]‏‏.‏

وعندما يشع هذا المعنى بين جوانح المسلمين ويتمثلون هذا التجلي الذي أذكركم به‏؛‏ ينبغي أن يتساءلوا من أين شعّت هذه المحبة متجددةً في صبيحة هذا اليوم‏،‏ وسارية ما بين القلوب‏؟‏ من أين شعّ هذا الأنس متجدداً مع فجر هذا اليوم‏؟‏ من أين تجلّت متجددةً مظاهر الرحمة والشفقة ما بين الآباء والأمهات من جانب‏،‏ وصغارهم من جانب آخر‏؟‏ بل من أين جاءت مشاعر الفرحة الراقصة‏،‏ في نفوس هؤلاء الصغار‏؟‏ من أين جاء ذلك كله أيها الإخوة‏؟‏

إنما هبط هذا كله من علياء الربوبية‏،‏ إنها هدية الله الرؤوف الرحيم الكريم‏،‏ هدية الله سبحانه وتعالى إلى عباده‏.‏

ولو أن الإنسان تصور هذا المعنى لفاض قلبه بالحب الأول‏،‏ لفاض قلبه بمعين الحب متجهاً إلى الله سبحانه وتعالى وحده‏،‏ الحب الذي يشعر به الإنسان تجاه أخيه الإنسان‏،‏ من أين جاء أيها الإخوة‏؟‏ من الذي ألهب المشاعر والقلوب بما نسميه الحب‏؟‏ إنه الله عز وجل‏.‏ من الذي أودع في أفئدة الأمهات الحنان الذي يفيض في قلوبهن تجاه صغارهن‏؟‏ إنه الله عز وجل‏.‏ من الذي أودع في قلوب الآباء هذا المعنى من العطف والشفقة والحب تجاه أولادهم‏؟‏ إنه الله‏.‏ من الذي وصل القلب بالقلب في حياة الزوجين بالمودة والألفة والرحمة والحب‏؟‏ إنه الله سبحانه وتعالى‏.‏

ألم تقفوا على قوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 30‏/‏21‏]‏‏.‏

جعل بينكم مودة ورحمة‏،‏ هذه المودة جاءت من المعين من عند الله سبحانه وتعالى‏،‏ وهذه الرحمة كذلك‏.‏ ألم تقفوا على قول الله سبحانه وتعالى ‏-‏ وهو يتحدث عن سيدنا يحيى على نبينا وعليه الصلاة والسلام ‏-‏ مخاطباً زكريا‏،‏ يقول‏:‏ ‏{‏وَحَناناً مِنْ لَدُنّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيّاً‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 19‏/‏13‏]‏‏،‏ وهبه الله عز وجل حناناً بين جوانحه وفي حنايا قلبه‏،‏ لكن انظروا إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَحَناناً مِنْ لَدُنّا‏}‏ ما من حنان يشعر به الإنسان تجاه أخيه الإنسان إلا ومصدره الرحيم الأول ألا وهو الله سبحانه وتعالى‏.‏

وعندما تنظر إلى عالم البهائم‏،‏ وتنظر إلى عالم البهائم‏،‏ وتنظر إلى الوداد الذي يشيع ويشع‏،‏ ما بين هذه البهائم وصغارها‏،‏ وكم ينظر الإنسان فيجد ما يدهش العقل‏،‏ وما يبهر البصائر‏.‏ عندما تنظر إلى هذه الظاهرة‏؛‏ اذكر أن الذي أودع هذه المشاعر في قلب هذه الحيوانات أجمع‏،‏ إنما هو الله‏،‏ إذن مصدر الحب هو الله‏،‏ مصدر الحنان هو الله‏،‏ مصدر تراحم الناس بعضهم مع بعض هو الله‏،‏ مصدر هذا الأنس إذ يتجلى على قلوب الناس في مثل هذا الصباح‏،‏ ومنظر هذه الإشراقة والابتسامة‏،‏ إذ يحيِّي بها كل مسلم أخاه هو الله سبحانه وتعالى‏،‏ فإذا عرف الإنسان هذه الحقيقة أيها الإخوة‏،‏ هل يمكن أن ينسى خالقه‏؟‏ هل يمكن أن يكون فؤاده بعيداً ومعرضاً عن محبة مولاه وخالقه الذي هذا هو شأنه‏؟‏ هل يمكن أن لايكون قلبه وعاءً لحب واحد لا ثاني له ألا وهو الله سبحانه وتعالى‏؟‏ هذا الإله الذي وجّه القلوب إلى القلوب بشعاع المحبة والود‏،‏ هذا الإله الذي أودع في الأفئدة ما نسميه الرقة‏،‏ ما نسميه الحنان‏،‏ ما نسميه الألفة والوداد‏،‏ هذا الإله الذي أغدق على عباده النعم من سماءٍ تهطل رزقه ومن أرض تينع رزقه‏،‏ ومن بهائم سخرها الله سبحانه وتعالى لك ضروعاً ألباناً ولحوماً‏،‏ كيف يعرض الإنسان عنه فلا يعشقه‏،‏ ولا يهواه‏؟‏

أيها الإخوة‏!‏ عندما يقرأ المؤمن قول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 5‏/‏54‏]‏ لابد أن يشعر بمشاعر غريبة‏،‏ قد تكون‏،‏ لكنها ليست غريبة عن العبد الموصول بربه‏،‏ عن المؤمن الموقن بمولاه وخالقه‏،‏ إن من هذه المشاعر مشاعر الغيرة‏،‏ أجل‏،‏ أنا أغار من هؤلاء الذين يمكن أن يعرض الله عز وجل عني وعن أمثالي‏،‏ بسبب الابتعاد عن صراطه‏،‏ بسبب التبرم بشرعته ثم أنظر فأجد‏،‏ أن هذا الحب قد غدا كسوةً لآخرين‏،‏ أنظر فأجد أن تجليات الحب الإلهي قد اتجهت إلى أناس آخرين‏،‏ أجل والله‏،‏ إنني لأشعر بالغيرة‏،‏ وما من مؤمن إلا ويسأل الله عز وجل قائلاُ‏:‏ يارب‏،‏ لاتخرجني من حمى دينك‏،‏ ولا تعاقبني بإبعاد خلعتك الإيمانية التي أكرمتني بها عني‏،‏ وأبقٍ عليَّ نعمة حبك لي‏،‏ اجعلني من هؤلاء الذين تقول عنهم‏:‏ ‏{‏فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ‏}‏‏،‏ وقد قلت مرة‏:‏ في القرآن غزل‏،‏ لكنه غزلٌ يذيب القلوب‏،‏ إنه قول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ‏}‏ ألا تشعرون‏؟‏ ألا ترون هذا المعنى العظيم الجليل أيها الإخوة‏؟‏‏{‏يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ‏}‏ هذا المعنى المتبادل بين العبد والرب‏،‏ ما أحلاه وما ألطفه‏!‏ وما أبعثه لِسُكْرِ النشوة بمحبة الله سبحانه وتعالى‏!‏ وما عجبت من أناس عجبي لقوم يصرون على أن يؤولوا كلمات الحب التي ينسبها الله عز وجل إلى ذاته لعباده‏،‏ يحرمون أنفسهم ويحرمون إخوانهم من خلعة أكرمنا الله عز وجل بها‏،‏ يقول قائلهم‏:‏ لا‏.‏‏.‏‏.‏ لا‏،‏ لايتأتى من الله أن يحب عباده‏،‏ إنما هو الرضا‏.‏ هذا هو التعطيل الذي نبرأ إلى الله عز وجل منه‏،‏ الرب عز وجل وصفه ذاته العلية بالرضا‏،‏ قال‏:‏ ‏{‏ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ‏}‏ هذا شيء‏،‏ ونسب أيضاً إلى ذاته إلى جانب الرضا الحب‏،‏ حب عباده المؤمنين‏،‏ حبه لعباده المؤمنين‏،‏ فلماذا ينسخون وصفاً بوصف‏،‏ كلاهما موجود ولكل منهما معناه المستقل بذاته‏،‏ ولكنه حبٌ يتسامى عن معاني حب الناس بعضهم لبعض‏،‏ أجل‏.‏

فإذا أدركنا أنّ كل ما في هذه الحياة الدنيا من معاني الحب الذي به قام المجتمع الإنساني‏،‏ وبه تحقق نسيج الحياة البشرية‏،‏ عندما نعلم‏،‏ أن مصدر هذا الحب إنما هو الله‏،‏ ينبغي أن نعود إلى أفئدتنا‏،‏ فنجعلها تربة صالحة لشيء واحد ألا وهو محبة الله عز وجل‏،‏ فإذا ازدهرت محبة الله عز وجل بين الجوانح وسبيل ذلك واضح وسهل ويسير إذا تيسر ذلك‏،‏ وازدهرت محبة الله عز وجل بين الجوانح فإن الله يجعل منها شجرة عظيمة وارفة الظلال‏،‏ أما جذعها فواحد يتمثل بحب العبد لمولاه فقط‏،‏ وأما أغصانها المتفرعة عن هذا الجذع فهي أغصان كثيرة لاتتناهى‏،‏ تتمثل في حب الإنسان لأخيه الإنسان‏،‏ في حب الأبوين لأولادهما‏،‏ في حب الأولاد للأبوين‏،‏ في حب الزوج للزوجة والعكس‏،‏ في حب الناس كلهم بعضهم لبعض في تلاقي أفراد الأسرة الإنسانية على مائدة الألفة والوداد والمحبة‏،‏ كل ذلك أغصان من محبة جزئية تضرعت وتفجرت وتنامت من جذع واحد‏،‏ ألا وهو حب العبد لله سبحانه وتعالى‏،‏ عودوا أيها الإخوة إلى أفئدتكم وتعهدوا ‏-‏ ولا أقول أوجدوا ‏-‏ تعهدوا محبتكم لله عز وجل في هذه القلوب لا أقول أوجدوا‏،‏ لأنه ما من إنسان عرف الله إلا وفي قلبه بذور يانعة من حبه لله سبحانه وتعالى‏،‏ فإن عزّ عليكم السبيل إلى استنبات هذه البذور‏،‏ وإن عزّ عليكم السبيل إلى تنيمة هذه الشجرة بين الجوانح فاطرقوا باب الله‏،‏ التجؤوا إلى الله سبحانه وتعالى‏،‏ ابسطوا إليه أكف الضراعة أن يطهر قلوبكم من محبة الأغيار‏،‏ أن يطهر مرآة أفئدتكم مما علق بها من غبار الدنيا الزائلة‏،‏ والأهواء الباطلة والله عز وجل يستجيب‏،‏ إذا أقبل إليه العبد قال له الرب لبيك‏،‏ إذا أقبل إليه إقبالاً صحيحاً فإن الله سبحانه وتعالى يستجيب دعاءه‏.‏

وأقول لكل من يشعر أن في قلبه قسوة يعاني من مرض قلبي بسببها‏.‏ أقول ما يقوله الإمام الغزالي رحمه الله تعالى‏:‏ ‏(‏إذا لم تكن تشعر برقة قلب تسوقك بالضراعة إلى باب الله‏؛‏ فابكِ على نفسك بسبب أنك قد اكتشفت مرضاً خطيراً بين جوانحك ألا وهو مرض قسوة القلب‏)‏ عندما يشعر الإنسان بهذا الخطر الكبير الوبيل‏،‏ عندما يشعر أن قلبه مغلف بغلاف القسوة‏؛‏ فقد عرف أنه مريض‏،‏ واكتشف مرضاً وبيلاً بين جوانحه‏،‏ ماذا يكون حال المريض إذاً من كلام طبيبه وهمساته مع زميله أنه يعاني من مرض خطير‏،‏ ألا يتألم‏؟‏ ألا يشعر بالأسى يهيمن على كيانه‏،‏ كذلكم‏،‏ ذلك الذي يشعر بأنه يعاني من قسوة القلب‏،‏ إنه مرض‏،‏ فالتجئ إلى الله عز وجل متألماً متضرعاً كي ينجيك من قسوة قلبك‏،‏ فإذا فعلت فإن الله سبحانه وتعالى يكرمك‏،‏ يزيل هذا الغلاف الذي ران على قلبك ويتألق فؤادك بتجلٍ رباني‏،‏ ملؤه الرحمة‏،‏ ملؤه المغفرة‏،‏ يتألق قلبك برقة ما مثلها رقة‏،‏ لكن هل التجأت إلى الله عز وجل‏؟‏

أيها الإخوة‏،‏ من أهم الأدواء والأمراض التي تنتاب عالمنا الإسلامي اليوم‏،‏ لاسيما النخبة الأولى فيه من الدعاة والحركيين والمتجهين بأنشطتهم إلى إقامة المجتمع الإسلامي‏،‏ من أخطر الأمراض التي يعانون منها مرض اسمه قسوة القلب‏،‏ مرض اسمه الإعراض عن الالتجاء إلى الله عز وجل‏،‏ ننشط ونتحرك ونذهب ونأتي ونكتب ونقول ونزبد ونرغي ونلقي المحاضرات‏،‏ ولكني قلما أجد من يتجه إلى الدواء الأول‏،‏ وهو أن يقف بانكسار وقد بسط كفيه شحّاذاً واقفاً أمام باب الله الغني الكريم المجيب‏،‏ يدعوه بضراعه‏،‏ يدعوه بتبتل‏،‏ كما أمر الله سبحانه وتعالى رسوله‏،‏ ويدوم على هذه الحال‏،‏ ويجعل من ذلك غذاء قلبه‏،‏ ويجعل من ذلك سلاح دعوته‏،‏ لم أجد ولا أجد هذه الظاهرة إلا في القليل النادر النادر‏.‏

والإسلام عبودية قبل أن يكون شرعة واجتماعاً‏،‏ بوابة السير إلى الله تبدأ بالعبودية لله عز وجل‏،‏ ولا معنى للعبودية إلا الضراعة‏،‏ لا معنى للعبودية بين يدي الله إلا الانكسار لله سبحانه وتعالى‏،‏ وما جعل الله الإنسان محتاجاً إليه‏،‏ بسبب انحرافاته التي ابتلي بها‏،‏ بسبب غفلاته التي ابتلاه الله بها‏،‏ بسبب تسلط غرائزه عليه‏،‏ تلك التي ابتلاه الله عز وجل بها‏،‏ ما جعله الله ضعيفاً بين هذه السباع الضارية إلا ليلجأ إلى الله‏،‏ إلا ليشعر أنه بحاجة إلى الله‏،‏ إلا ليشعر أنه الفقير إلى الله سبحانه وتعالى‏،‏ فأين هم الذين مدوا من مشاعر فقرهم شفيعاً بين يدي الله سبحانه وتعالى لأنفسهم‏؟‏ أسأل الله عز وجل أن يطهر قلوبنا من محبة الأغيار‏،‏ وأن يملأها بمحبته سبحانه وتعالى‏،‏ وأن يجعل من هذه المحبة شجرة وارفة الظلال تمتد أغصانها حباً بين عباد الله المؤمنين‏،‏ وداً فيما بينهم‏،‏ وحدةً تحت مظلة قول الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 3‏/‏103‏]‏ تحت مظلة قول الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 49‏/‏10‏]‏‏.‏

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
خطبة عيد الأضحى المبارك 1421/للدكتور العلامة محمد سعيد رمضان البوطي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
هنا مدرسة محمد صلى الله عليه و سلم :: مواضيع عامة :: دروس ومحضرات اسلاميه-
انتقل الى: