إسلام نعيم بن مسعود:
ألقى الله الإيمان في قلب نعيم بن مسعود الغطفاني وكان مع المشركين، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لنعيم: (إنما أنت فينا رجل واحد فَخَذِّل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة) _[ابن إسحاق].
طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من نعيم أن يظل في قومه ويستخدم ذكاءه في صرفهم عن المسلمين، فذهب نعيم إلى يهود بني قريظة، وكان صديقًا لهم في الجاهلية، فقال لهم: يا بني قريظة، قد عرفتم ودي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم. قالوا: صدقت، لست عندنا بمتهم.
فقال لهم: إن قريشًا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تحولوا منه إلى غيره، وإن قريشًا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم (ناصرتموهم) عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة (فرصة) أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنًا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدًا حتى تناجزوه (تقاتلوه). فقالوا له: لقد أشرت بالرأي.
ثم توجه إلى قريش، فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدًا، وإنه قد بلغني أمر رأيت على حقًّا أن أبلغكموه نصحًا لكم، فاكتموا عني، فقالوا: نفعل. قال: تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه: إنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم، فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم؟ فأرسل إليهم: أن نعم.
فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنًا من رجالكم، فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدًا، ثم توجه إلى قبيلة غطفان، فقال: يا معشر غطفان، إنكم أصلي وعشيرتي، وأحبُّ الناس إلي، ولا أراكم تتهمونني. قالوا: صدقت، ما أنت عندنا بمتهم. قال: فاكتموا عني. قالوا: نفعل، فما أمرك؟ فقال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم مما حذرهم. وذهب المشركون يطلبون من اليهود أن يقاتلوا معهم المسلمين، فطلب اليهود عددًا من الرهائن، وهنا تأكد لكل منهم صدق نعيم بن مسعود في نصحه لهم، فرفض الكفار إعطاء الرهائن، وامتنع اليهود عن الحرب معهم، وهكذا استطاع مسلم واحد بإرادة الله تعالى وتوفيقه أن يشتت شمل الكفار واليهود بعدما كانوا مجتمعين ضد المسلمين.